مسفاة العبريين

مسفاة العبريين ..




قرية زرعت بيوتها فوق الصخر... تدرجات الإضاءة الرائعة تسقط على أزقة حارتها القديمة... همسات الأطفال وهم يمرحون بين مداخل الحارة... بساتينها المنحدرة من سفح الجبل تعانق مجرى الوادي... فلجها شقته الأيادي الصلبة وسط الصخر، ليسقي كل نبتة في المحيط الأخضر... مزارع النخيل غطت صخور الجبل، مكونة رقعة زراعية وسط الإمتداد البني... قرية تجلت فيها هندسة المباني القديمة، ونموذجا لتحدي الطبيعة القاسية لتحويل الجبل إلى واحة زراعية منتجة... علمت هذه القرية سكانها الكدح، وجب العمل وكرم أهل الجبل... تعودوا على استقبال الأفواج السياحية وهم يتأملون مفاتن قريتهم الجميلة... إنها مسفاة العبريين، واحة الجبل، وقرية سياحية واعدة.
عايشت مسفاة العبريين بولاية الحمراء منذ بداية ولعي بالتصوير الفوتوغرافي، حيث زرتها أول مرة في عام 1984، بهرت بتكوينها الرائع وسط الجبال، كان الصعود إليها صعبا من خلال الشارع الترابي الذي يصل بالكاد إلى بداية أطراف القرية، وألان أصبح الشارع المسفلت يصل إلى مدخل الحارة القديمة، قرية تستحق كل سبل التطور والتنمية الحديثة.
عند الوصول إلى مشارف القرية، يشاهد السياح المباني الحديثة، التي انتشرت على سفح الجبل، حيث حرص الأهالي على السكن بجوار قريتهم الجميلة، التي تربطهم بها علاقة حميمة منذ نعومة أظافرهم، خاصة بعد وصول خدمات التنمية الحديثة إليها، ومن ضمنها الشارع المسفلت.


يطل المشهد بعد ذلك على تدرجات الحقول الزراعية، تعلوها بيوت الحارة القديمة، موزعة على سفح منحدرات جبل شمس، ينتهي الشارع عند بداية مدخل الحارة القديمة، عندها تبدأ مشاهدة البيوت الأثرية، التي زرعت على الصخور العملاقة لتطل على الأفق البعيد. يشجع المشهد مواصلة سبر أغوار هذه القرية، ويتطلب الأمر المشي من خلال بوابة الحارة القديمة وعبر ممراتها الضيقة المحفوفة بجدران المباني الطينية، التي ارتفع بعضها إلى طابقين. هندسة بناء رائعة، مازالت هذه البيوت صامدة إلى اليوم بالرغم من الظروف الطبيعية المستمرة في نحتها، تستمد صلابتها من قوة وعزيمة سكانها، ويعد بيت البيتين من أقدم المباني الأثرية في قرية مسفاة العبريين، نظرا لضخامته، حيث يرتفع لأكثر من طابقين، ويقدر عمر بنائه إلى مائتي عام، ينتهي ممر الحارة عند حوض كبير لتجميع مياه الفلج، ويقوم أطفال القرية أحيانا بالقفز من ارتفاعات عالية في هذه البركة، التي يواصل منها الفلج جريانه إلى الحقول الزراعية عبر الدرجات الجبلية، خرير المياه وهي تتدفق من البركة تضفي البهجة والسرور للسياح والزائرين عند بداية نزولهم إلى مدرجات الحقول الزراعية، يسلك الطريق مسارا متعرجا وسط الحقول، محاذيا لمسار مجرى الفلج، حيث يحرص السياح على مواصلة السير حتى بداية مجرى فلج المسفاة، ليشاهدوا ممر الفلج الذي حفر في الصخر ليمر من خلاله مجرى الفلج، ولا يبعد منبعه كثيرا من هذا الموقع، وفي حالة مواصلة السير، يمكن سماع أصوات المياه وهي تتدفق نابعة من صخور الوادي لتشق طريقها في مجرى الفلج، الذي يواصل جريانه حتى بركة تجميع المياه، ومنها يواصل مساره إلى الحقول الواقعة عند إطراف القرية بالقرب من منطقة السيبان. وعلى طول مجرى الفلج، يتفرغ منه عدد من السواقي ينحدر منها إلى الحقول والمزارع الواقعة في المدرجات السفلية للقرية.


تشتهر مسفاة العبريين بزراعة الأنواع الجيدة من أشجار النخيل والليمون والسفرجل وأنواع أخرى من الحمضيات، إضافة إلى زراعة أشجار الموز والامبا وأنواع مختلفة من الفواكه.
إن مشاهد الحقول الزراعية من الأعلى تشجع بعض السياح على حب اكتشاف نهاية المدرجات الزراعية، وفي نفس الوقت تعد ممارسة لرياضة المشي لزيادة اللياقة البدنية، خاصة عند الوصول إلى مجرى الوادي والاستمتاع بالمشاهد الجميلة وأصوات المياه، وهي تنحدر بين صخور الوادي، خاصة في مواسم الخصب، يسمي هذا الوادي في المناطق المرتفعة عند بداية انحداره بوادي السق، ويسمى بوادي المسفاه عند هذه القرية، وبعد ذلك يسمى بوادي المدعام، حيت تصب فيه عدة روافد ليشق طريقه بعد ذلك إلى ولاية الحمراء.


أفضل موقع لمشاهدة جماليات قرية المسفاه من الامتداد الجنوبي للقرية، ويسمى بمنطقة السيبان ويمكن الوصول إليه بانعطاف على يمين الشارع قبل الوصول إلى مشارف الحارة القديمة، حيث يمر هذا الشارع على المساكن الحديثة، وفي نهاية الشارع يكمن مشاهدة مدرجات الحقول الخضراء، تعلوها البيوت الطينية، كما يمكن مشاهدة قلعة روغان الأثرية، وهي من أهم المعالم التاريخية بولاية الحمراء، ويعود تاريخ بنائها إلى قبل الإسلام.